السلام عليكم
قصة حلوة لحبايبنا الاطفال
~ النهر والشجرة والعصافير~
سال النهر صديقته الشجرة: - لماذا أنت حزينة؟ أجابت الشجرة: - أوه، كيف عرفت؟ قال النهر: - عندما مرت الريح، قبل قليل، لم ترقص أوراقك وأغصانك رقصتها الجميلة، أخبريني لماذا أنت حزينة؟ ألست صديقك؟ والصديق لا يخفي عن صديقه أي شيء! اهتزت أوراق الشجرة، ومال غصن حتى كاد يلامس صفحة النهر قالت: - كل الأشياء تتحرك، أنت تمضي من مكان إلى مكان، ترى الدنيا وتشاهد الناس، والحيوانات... ولك.. كل شيء، أما أنا فجذري مغروس في الأرض، ثابتة في مكاني، لا أتحرك، أنا حزينة أيها النهر، حزينة لأنني بدأت أحس بالملل والضجر. استمع النهر إلى صديقته الشجرة بانتباه، ومودة وقال لها: سأحاول أن أساعدك، فلا تحزني، عليّ الآن أن أواصل مسيري في مجراي حتى أصل إلى الوادي الكبير ثم إلى البحر، يجب أن لا أتاخر، فالكثيرون في انتظار وصولي! وداعا. منذ ذلك اليوم، امتنعت الشجرة عن امتصاص المياه والطعام، فبدأ الشحوب والاصفرار على الشجرة، ولم تظهر براعم جديدة لأية زهرة. وهذا ما لم يحدث من قبل للشجرة. حزن النهر كثيرا على صديقته، التي كان يراها تزداد اصفرارا يوما بعد يوم، ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا في البداية، فقد كان عليه أن ينحدر إلى الوديان، ويسير بين القرى لسقي الأرض، ويعطي المياه للكائنات. فيما كانت حياة النهر تهدر ببطء من إحدى الصخور، وقف عصفور على قمة صخرة، وصاح: - ما بالك أيها النهر تبدو حزينا على غير عادتك؟ أين سرعتك؟ وأين صوت خريرك الجميل؟ دعني أصغي إليك، فلقد تعلمت منك لحنا جميلاً، أحبه زملائي العصافير في الغابة، فلماذا لا تسمعني خريرك الجميل؟ صمت النهر قليلا. ثم أصدر صوتا جميلا مليئا بالحزن، وأخبره بحكاية صديقته الشجرة. هز العصفور جناحيه ورفع رأسه وزقزق طويلا، وقال: - لدى فكرة أيها النهر الصديق! ثم طار وهو يقول : " ستعرف غدا كل شيء" وفي اليوم التالي، اصطحب العصفور كروان مجموعة من العصافير: حساسين وبلابل وكناري، وحطوا جميعا على الشجرة.
قال العصفور كروان صديق النهر: - أيتها الشجرة جئنا إليك من كل الغابات، ومن أعالي الجبال، فالنهر قد أخبرنا وهو صديق كل الطيور، وأنت أيتها الشجرة جميلة، مليئة بالأغصان، ولا نريد أن تحمل أغصان أية أوراق صفراء فهل تقبلينا أصدقاء لك؟ فرحت الشجرة بأسراب العصافير والطيور وهتفت: - أجل، فكيف أكون صديقة لكم؟ قال العصفور كروان، بينما كان الجميع يزقزقون، وينشدون بفرح: " نحن نسكن بلادا بعيدة، وقد جاء الشتاء وستساقط الثلوج، ويشتد البرد، فهل تسمحين لنا بالإقامة بين أغصانك لتعطينا دفئك الجميل ولنضع البيض في أعشاشنا؟ أضاف الكناري الصغير: - ونربي صغارنا- أفراخنا بين أغصانك. أكمل السنونو: - وكلما طرنا، وعدنا، وسنروي لك ما نشاهده في الدنيا، سنغني لك ونشدو، ونغرد ونزقزق، ونحكي لك كل شيء عن الدنيا. فرحت الشجرة كثيراً، وضمت أغصانها في حنان على أصدقائها العصافير وقالت: - سأحميكم من الرياح، ومن أشعة الشمس حين تشتد حرارتها. فرحت الشجرة، فرح النهر، خرجت العصافير، وبدأت تشدو وتغرد وعاد النهر يواصل خريره الجميل، ويواصل سيره إلى الوديان والحقول، والقرى، ويسقي من مياهه الأشجار والكائنات
&& الــصــياد الــصــ غ ــير &&
ارتفع صوت محرك قارب الصيد القديم في وسط مياه البحر الزرقاء، وألقى الصيادون شباكهم فخرجت محملة بعدد كبير من الأسماك الجميلة والغريبة الشكل، فتعجب الصغير أحمد بن الشيخ حسن كبير الصيادين وحدث والده قائلاً: - هل تعرف أسماء هذه الأسماك يا ولدي؟ ضحك الحاج حسن وهو يقول: نعم يا بني أعرفها كما أعرفك، وأنت أيضاً قريباً ستعرف كل شيء عنها عندما تكبر، لأنك ستصبح صاحب هذه المركب من بعدي، ويجب أن تتعلم كل شيء عن الأسماء من الآن.. ابتسم أحمد من حديث والده الذي أمسك أحد الأسماك الكبيرة وهو يقول: - انظر يا أحمد إن تلك السمكة اسمها سمكة أبو سيف، وهي كبيرة الحجم كما ترى، وستجد في البحر أحجام كبيرة جداً منها، وهذه السمكة هي في الحقيقة سمكة عادية جداً كأي سمكة أخرى، ولكن نمت عظمة فوق شفتها العليا وأصبحت كالسيف، وهذه العظمة تساعدها في السباحة وفي صد الأعداء عنها. فأشار أحمد إلى سمكة أخرى قائلاً: - وهذه ما هي ؟! نظر الحاج حسن تجاه السمكة وهو يقول: - إن تلك السمكة ذات الأسنان الحادة هي سمكة القرش وهي من الأسماك التي يخشاها الصيادون لأنها تدمر الشباك وتأكل معظم الأسماك الموجودة بالشبكة ولكنها الحمد لله لم تفعل ذلك في شبكتنا اليوم، وسمكة القرش هذه عدة أنواع، فمنها ما هو كبير الحجم جداً ويصل طوله أكثر من عشرة أمتار ويسمى القرش النمر.. وسبحان الله بالرغم من ضخامته تلك إلا أنه لا يأكل اللحوم، ويتغذى على الطحالب، وهناك أنواع أخرى من سمك القرش صغيرة جداً تصل إلى ربع متر وعلى الأكثر نصف متر.. وتعيش في قاع البحر حيث تدفن جسمها في الرمال وتلتهم أي سمكة تقترب منها.. ويوجد بالبحر أكبر مخلوق على سطح الكرة الأرضية وهو الحوت الأزرق.. تعجب أحمد وهو يقول: كيف ذلك يا والدي إنني رأيت الفيل ولا أتخيل أن هناك مخلوقاً أكبر منه!! تبسم الحاج حسن وهو يقول: - إن حوتاً واحداً من الحيتان الزرقاء يزن حوالي عشرة أفيال مجتمعة.. - ويوجد في البحر حيوان الدولفين وهو صديق للإنسان فهو ينقذه إذا ما أشرف على الغرق، ويظل يسبح به إلى أن يخرجه إلى الشاطئ.. فسبحان الله... تكلم أحمد بصوت عالٍ قائلاً: - انظر يا أبي هناك عنكبوت كبير في الشبكة ضحك الحاج حسن من كلام ابنه، وزبت على كتفه، وهو يقول: - يا صغيري إن ما تراه هو الإخطبوط وهو نوع من أنواع الأسماك أيضاً ولكن لا يمتلك هيكلاً عظيماً، وبالتالي تجده رخواً وليس له شكل محدد... نظر الحاج حسن إلى ولده وهو يقول: - أتدري يا صغيري أن أم الإخطبوط تستحق أن تنال جائزة في عيد الأم..؟! تبسم أحمد وهو يقول: كيف ذلك يا أبي؟! - إن أنثى الإخطبوط عندما تضع بيضها لا تخرجه من جسدها كباقي الأسماك ذلك لأنها لا تخشى أن يموت صغارها، ولكنها تحتفظ بالبيض في بطنها، وبالطبع تخشى أن تأكل حتى لا تلوث البيض.. فتظل صائمة عن الطعام مدة طويلة حتى يفقس البيض وتخرج الصغار وبالطبع تكون الأم قد تعبت كثيراً، وفي النهاية فإنها تموت.. تعجب أحمد وقال: - سبحان الله يا لها من تضحية فعلاً.. حقاً يجب أن يتعلم الإنسان من الأسماك ومن كل شيء...
×× خير الاصدقاء ××
ظلَّ الكاتبُ غارقاً في تفكيرٍ عميقٍ، كان يبدو مهموماً قلقاً. بعدَ قليلٍ نهضَ منْ كرسيهِ وتوجهَ إلى النافذةِ، وقفَ هناكَ ينظرُ إلى السَّماءِ وإلى حديقةِ المنزلِ وزهورها الملونةِ الجميلةِ. عاد الكاتبُ مرةً أخرى إلى منضدتهِ، لكنهُ لم يستطعْ أن يكتبَ شيئاً.
فجأةً، انبسطتْ أساريرهُ، وغمرهُ فرحٌ كبيرٌ؛ فقدْ خطرتْ في ذهنهِ القصصُ التي سيكتبها. بدأَ بكتابةِ القصَّةِ الأولى، وبعد أنْ أَتمَّها، قرأها بدقة وإمعانِ. شعرَ بالارتياحِ وقال لنفسهِ: إنَّها قصَّة جميلةٌ .. ستنالُ إعجابَ القرّاءِ حتماً .. سأكتبُ القصصَ الأخرى. بعدَ أيامٍ انتهى الكاتبُ من تأليفِ القصصِ؛ ونظرَ إلى أوراقهِ بسعادةٍ غامرةٍ. وصاحَ فرحاً: سأضعُ عنواناً لهذه القصصِ .. عنوانها هو: (القصصُ الطَّريفةُ)! في صباحِ اليوم التّالي حملَ الكاتبُ المبدعُ أوراقهُ إلى إحدى دورِ النَّشرِ.
قالَ لمديرِ الدّارِ: لقد عانيتُ كثيراً في كتابةِ هذه القصصِ.. وأتمنّى أن تنالَ رضاكَ يا سيِّدي لأنني أريدها أن تصلَ إلى أصدقائي. قال مديرُ دارِ النَّشرِ: أنتَ على حقًّ أيُّها الكاتبُ.. لنْ يضيعَ تعبكَ سدىً بلْ سيقرأُ الأصدقاءُ ما كتبتهُ منْ قصصٍ.. قرأَ مديرُ دارِ النشرِ القصصَ الطريفةَ بإمعان فأعجبتهُ. فقرَّر أن يطبعها كتاباً في أقربِ وقتٍ ممكنِ. وبعدَ مدَّةٍ قصيرةٍ أخذتِ القصصُ الطَّريفةُ طريقها إلى المطبعةِ الحديثةِ. هناكَ، عملَ الطَّباعونَ بجدَّ ونشاطٍ في إكمال طبعِ القصصِ لتكونَ كتاباً في متناولِ أيدي الأصدقاءِ. كانتْ فرحةُ العمالِ كبيرةً حين انتهوا من طبعهِ. تولَّى أحدُ العمَّالِ نقلَ نسخِ الكتابِ إلى المخزنِ. أتمَّ العاملُ مهمَّتهُ، وقبلَ أن يغادرَ المخزنَ سمعَ كتاباً يقولُ: -إنَّهُ مكانٌ دافئٌ مشبعٌ برائحةِ الورقِ.. ليتنا نبقى في هذا المكانِ ! توقَّفَ العاملُ في مكانهِ وقالَ مبتسِماً: -لمْ يرهق الكاتبُ نفسهُ ولمْ يتعبِ العمّالُ منْ أجلِ أنْ تبقى الكتبُ في المخازنِ.. ستأتي الشّاحناتُ صباحَ الغدِ لتنقلكمْ إلى أماكنَ أخرى، لأنَّنا سنطبعُ غداً كتاباً جديداً ثمَّ نضعهُ في هذا المخزنِ! قالَ أحد الكتبِ: أيُّها العاملُ المثابرُ.. لقدْ وجدنا في هذا المكانِ الدَّفءَ والهدوءَ.. لهذا نرغبُ في البقاءِ هنا.. قالَ العاملُ وهوَ ينظرُ إلى أكوامِ الكتبِ: -أيُّها الأصدقاءُ.. ما فائدةُ الكتابِ بعدَ أنْ يطبعَ؟ الفائدةُ هيَ أنْ يذهبَ لأصدقائهِ ليجدوا فيهِ الفائدةَ الكبيرةَ والمتعةَ الكثيرةَ.. إنَّكم ستذهبونَ إلى المكتباتِ ومحلاَّت بيع الكتبِ، ومنْ هناكَ يصحبكمْ أصدقاؤكمْ إلى مكتباتهمُ الصَّغيرةِ.. والآنَ، وداعاً أيُّها الأصدقاءُ.. أقفلَ العاملُ بابَ المخزنِ وانصرفَ إلى منزلهِ. عندما حلَّ المساءُ، خيَّم على المخزنِ ظلامٌ دامسٌ. فكَّرتِ الكتبُ في أمرها وانتابها الحزنُ عندما تذكَّرتْ أنَّها في الصبَّاح ستفترقُ قطع الصَّمتَ أحدُ الكتبِ قائلاً بصوتٍ مرحٍ: أيُّها الأعزاءُ .. لماذا كلُّ هذا الحزنٍ؟ علينا أنْ نفرحَ لأنَّنا سنذهبُ إلى أماكنَ نظيفةٍ مليئةٍ بكتب أخرى متنوعةٍ.. سنمكثُ هناكَ مدَّةً قصيرةً ثمَّ يذهبُ كلُّ واحدٍ منّا معَ صديقٍ منَ الأطفالِ.. فأقترح عليكمْ أنْ ننامَ مبكِّرينَ لأنَّ أمامنا في الغدِ رحلةً قد تكونُ طويلةً..
اقتنعتِ الكتبُ بهذهِ الفكرةِ فنامتْ مبكِّرةً. في صباح اليومِ التّالي نقلَ العمّالُ رزمَ الكتبِ إلى الشّاحناتِ الَّتي اصطفَّت أمام باب المخزنِ الكبيرِ. وبعدَ ساعاتِ قليلةٍ انطلقتِ الشَّاحناتُ في شوارع المدينةِ، فبعضُ الشّاحناتِ اتَّجهَ إلى المدنِ البعيدةِ، والبعضُ الآخرُ اتَّجهَ إلى مكتباتِ المدينةِ. وفي مكتبةٍ كبيرةٍ وسطَ المدينةِ تطلُّ على شارعٍ رئيسٍ، كان كتابُ القصصِ الطَّريفةِ متربِّعاً داخلَ الواجهةِ الزُّجاجيَّةِ. كانَ الكتابُ مرتاحاً وهو يشاهدُ حركةَ النّاس والسَّياراتِ والباعة. تمنّى الكتابُ أن يبقى في المكتبةِ مدَّةً طويلةً، لكنَّهُ تذكَّرَ ما قالهُ عاملُ المطبعةِ منْ أنَّ الكتابَ يظلُّ من دونِ فائدةٍ إذا لمْ يقرأهُ الأصدقاءُ.. أدركَ الكتابُ حينذاكَ بأنَّ عليهِ أنْ يكونَ مفيداً للآخرينَ، فراحَ يتطلعُ إلى وجوهِ زوّارِ المكتبةِ بحثاً عن صديقٍ.
فجأةً، وقفَ صبيَّ أمام الكتابِ ينظرُ إليه باهتمامِ. كان الصَّبيُّ يحملُ على ظهرهِ حقيبتهُ المدرسيَّةَ. تناول الصَّبيُّ الكتابَ وراحَ يقلبُ أوراقهُ على عجلٍ. فرحَ الكتابُ وتمنّى أنْ يذهبَ مع الصَّبيَّ إلى منزلهِ. لكنَّ الصَّبيَّ أعاد الكتابَ إلى مكانهِ وهمَّ بالانصرافِ. فناداهُ الكتابُ قائلاً:إلى أين تذهبُ يا صديقي؟ التفتَ الصَّبيُّ حولهُ متعجِّباً. فعادَ الكتابُ يناديهِ من جديدٍ. عند ذلكَ انتبهَ الصَّبيُّ إلى الكتابِ. فقالَ الكتابُ: -أنتَ ذاهبٌ إلى المنزلِ.. أليسَ كذلكَ؟ لمَ لا تأخذني معكَ؟ وضعَ الصَّبيُّ يدهُ على جيبِ قميصهِ وقال معتذراً: - ما عندي منْ نقودٍ لا يكفي لاقتنائكَ وشراء الحلوى! فقالَ الكتابُ: لكنَّك عندما تقرأُ صفحاتي ستجدُ متعةً أكثرَ من أيَّةِ متعةٍ تحصلُ عليها من الحلوى! ابتسمَ الصَّبيُّ ودفعَ النُّقودَ إلى البائعِ ووضعَ الكتابَ في محفظتهِ المدرسيَّة. وفي المنزلِ، ظلَّ الكتابُ يراقبُ صديقهُ وهوَ يقرأُ دروسهُ ويكتبُ واجباتهِ البيتِيَّة. وبعدَ أن انتهى الصَّبيُّ منْ تحضيرِ دروسهِ، تناولَ الكتابَ وراحَ يقرأُ الصَّفحةَ الأولى ظلَّ الصَّبيُّ مشدوداً إلى قصص الكتابِ. كان فرحاً للغايةِ وهوَ يقرأُ. وقبلَ أن يبدأ بقراءةِ القصَّةِ الثَّانيةِ سمعَ صوتَ أمِّهِ تناديهِ منْ غرفةِ الطَّعامِ. قالتِ الأمُّ: لقدْ تأخرت كثيراً في غرفتكَ يا ولدي.. هل وجدتَ صعوبةً في دروسكَ؟ أجابَ الصَّبيُّ: تأخرتُ في غرفتي لأنَّني كنت مع صديقي! تعجبَّتِ الأمُّ وقالتْ: لكنَّني لمْ أرَ أحداً يدخلُ معكَ! فقالَ الصَّبيُّ وهوَ ينهضُ: سآتيكِ يا أماهُ بصديقي لتتعرَّفي عليه.
انطلق الصَّبيُّ إلى غرفته، وبعد قليلٍ عادَ حاملاً كتابَ القصصِ الطَّريفةِ. قالتِ الأمُّ بعد أن قلَّبتْ صفحاتِ الكتابِ: سأتعرَّفُ عليهِ أكثرَ بعدَ أن أقرأ ما فيهِ.. نعمْ يا ولدي إنَّ الكتابَ صديقٌ وفيُّ.. إنَّهُ كما يقولونَ:"خيرُ صديقٍ في الزَّمانِ كتابُ..."
×× الغش و الخداع ××
أوصاني أبي في ذلك اليوم أن أشتري حلوى لأن عمي وعائلته سوف يسهرون عندنا.. ذهبت أنا وزميلي سامي للشراء، ولما دخلنا المحل استقبلنا صاحبه بوجه طلق فهش وبش ورحب،
فطلبت منه علبة بقلاوة، فقام بتحضيرها بنفسه قائلاً: الحساب 19 ريال، فأعطيته 20 ريال، وأعاد لي الباقي، ورجعت وسامي من حيث أتينا، وفي طريق العودة نظرت إلى النقود فانتفضت مندهشاً، توقف سامي وقال متعجباً: ما بك يا محمود؟!! قلت له: إن الحلواني أخطأ الحساب فأعطاني ريالين بدلاً من ريال، فابتسم سامي وقال: بسيطة.. نرجع الآن ونعيد له الريال.. حملقت في سامي قائلاً: ماذا؟!.. أعيد الريال بعدما أصبح في جعبتي.. أي مجنون أنت؟! قال سامي صعقاً: ماذا تقصد؟ قلت له: لنرتع ونلهو، طار عقل سامي قائلاً: أترتع وتلهو بريال؟! ماذا تشتري به.. إنه ليس إلا ريالاً!! فقلت وقد تملكني الهوس: أضيف عليه بعض الريالات.. فيتحقق الهدف.. هذه ليست مشكلة .. جن جنون سامي وحاول إقناعي بإرجال الريال إلى صاحبه ولكنه فشل، فولى مدبراً وتركني رافضاً العبث بأموال الناس على حد قوله.. أما أنا فمضيت إلى السوبر ماركت واشتريت بوظة وشوكولاته وعصير وجعلت آكل وأشرب بنهم حتى انتفخت بطني وعدت أدراجي إلى المنزل وأعطيت أبي الحلوى ولاريال فشكرني وأثنى عليّ.. بعد برهة من الزمن سرى ألم فظيع في بدني فشعرت بقشعريرة وارتجفت، وجعلت أغلى وصارت بطني تفور كالبركان فصرخت صرخ عظيمة: آآآآآه.. أنا السبب.. كان عليّ أن أعيد الريال إلى صاحبه.. آآآآآآه.. كان أبي نائماً في الغرفة المجاورة فاستيقظ فزعاً، وقد سمع مقالتي فجاء مهرولاً: مالك يا ولدي.. ماذا أصابك؟ فأخبرته الخبر ودموعي تترقرق على وجنتي.. هز رأسه أبي قائلاً: لقد كان صديقك سامي على حق.. ألا تعرف يا محمود أن هذا غش وخداع وتضليل؟!.. وأكل لأموال الناس بالباطل.. ألم يكرمك صاحب المحل؟.. ألم يقدم لك أفضل الحلوى بنفس راضية؟! لماذا لم تعامله بالمثل؟؟.. اعلم يا محمود أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به.. ومن غشنا فليس منا.. كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.. طأطأت رأسي قائلاً: أنا مذنب.. فما العمل؟ قال لي أبي وهو يمسح دموعي: تذهب إلى صاحب محل الحلوى الآن وتعطيه الريال وتعتذر منه.. ولكن عدني ألا تغش أحداً بعد اليوم.. فقلت بغبطة: سأفعل يا أبي.. سأفعل.
×× أصحاب الجنة ××
كان في قديم الزمان رجل صالح وله بضعة أولاد .. قص الله علينا قصتهم في سورة القلم . كان لذلك الشيخ الصالح بستان جميل عامر بمختلف أنواع الأشجار المثمرة، وجداول الماء العذب تسقيها، فتعطي تلك الأشجار فواكة لذيذة وكثيرة ومتنوعة. وكان ذلك الشيخ قد جعل نصيباً في تلك الثمار للفقراء والمساكين، الذين كانوا يتوافدون أيام قطافها إلى البستان، ليأخذوا نصيبهم منها، وكان الشيخ يعطيهم مما رزقه الله بنفس طيبة وقلب سعيد، لأنه كان يعرف أنه بذلك يرضي الله تعالى، ويدخل السعادة على قلوب أولئك المعذبين.
وكان جميع أولاد الشيخ الصالح – إلا واحد منهم – يكرهون فعل أبيهم ، ويعتبرونه تبذيراًوإنفاقاً في غير موضعه حتى إذا ما مات أبوهم الشيخ ، قرروا أن يحتكروا ثمرات البستان لأنفسهم ، ليكثروا مالهم ، ويسعدوا أنفسهم وأولادهم، وليذهب الفقراء إلى حال سبيلهم.
قال أحدهم: لقد صار البستان لنا، وسوف نجني منه الكثير. وقال الثاني: ولن ندع الفقراء يقتربون منه وقال الثالث: ولن يطمع الفقراء بعد اليوم بشيء منه. قال أوسط الإخوة، وكان معجباً بأبيه وبكرمه وإنفاقه على الفقراء والمساكين : أنصحكم أن تسيروا على ما كان يسير عليه أبوكم، فالله سبحانه وتعالى قد جعل للفقراء والمحتاجين حقاً في هذا المال.-
قال كبيرهم : إنه مالنا .. وليس لأحد حق فيه. قال أوسطهم : بل إنه – كما يقول أبونا – إنه مال الله ، وقد استودعنا الله إياه، وللفقراء نصيب فيه.. اشتد الجدال وطال الحوار، وغلب الأخ الأوسط على أمره، وأئتمر الأخوة فيما بينهم ، أن يبكروا إلى تلك الجنة الدانية القطوف، وأن يأخذوا كل ما فيها من فواكه وثمار قبل أن ينتبه الفقراء والمساكين ويأتوا – كعادتهم أيام أبيهم – ليأخذوا حصتهم ونصيبهم منها. نام الأخوة الأشحاء على أحلام الغد الممتلئ بالغنى والثروة، واستيقظوا في الجزء الأخير من الليل، وبادروا إلى بستانهم، وعندما وصلوا إليه وقفوا ذاهلين ، فقد كان البستان قاعاً صفصفا، فقد احترق بأكمله .. قال كبيرهم : لا .. لا .. هذا ليس بستاننا .. قال الآخر: إن بستاننا جنة تجري من تحتها الأنهار، وهذا خراب. قال أوسطهم : بل إنه بستانكم .. قد أرسل الله عليه طائفاً من البلاء جعله كما ترون، لأنكم لم تفعلوا كما كان يفعل أبوكم ، ولم ترضوا فيما أعطاكم، لم تعطوا الفقراء حقهم الذي فرضه الله لهم في بستانكم .. ولقد نصحتكم، ولكنكم لا تحبون الناصحين .. وندم الأخوة على ما كانوا بيتوه ضد الفقراء، لكن بعد فوات الأوان . قال تعالى
قالوا سبحان ربِِِِِِِِِنا إنَا كنَا ظالمين .. فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون .. قالوا يا ويلنا إن كنَا طاغين .. عسى ربُنا أن يبدلنا خيراً مِنها إنَا إلى ربِنا راغبون).